إنها أوّل امرأة في تونس والعالم العربي والإفريقي تقود الطائرة وثالث أو رابع امرأة في العالم هي التونسية علياء المنشاري.
هكذا هي المرأة التونسية، كلما ذكرت إنجازات المرأة العربية إلّا وتصدرت القائمة.
"والدي كان مهندسًا وجدّي كان طبيبًا وتمنى والدي أن أصبح طبيبة مثل والده، لكنني أصبحت قائدة طائرة وهو الحلم الخفي الذي لم يحققه والدي فقد كان يتمنى أن يصبح طيارًا، لكن الاستعمار الفرنسي كان يمنع أن يدرس التونسيون الطيران"، تقول علياء المنشاري في حوار صحفي.
وتواصل استرجاع شريط الذكريات بتفاصيله، قائلةً: "علاقتي بالطائرة بدأت منذ طفولتي، وفي سن الـ16 التحقت بنادي الطائرات الشراعية في جبل الرصاص، كان ذلك سنة 1974، وكنت شغوفة جدًا وجريئة وواثقة من نفسي وكنا نحلّق".
درست علياء المنشاري بمعهد كارنو الفرنسي وكانت من الأوائل وتميزت خاصة في مادة الرياضيات وتحصلت على البكالوريا بامتياز وكان هدفها محددًا وواضحًا وهو الالتحاق بالطيران.
تقول: "ذهبت لتقديم أوراقي واجتياز الاختبارات، لكنّي فوجئت يومها بأنّ الامتحان تم الغاؤه وسيتم لأول مرة اعتماد الاختيار عن طريق الحاسوب وحسب المعدلات"، مستدركة القول: "كان مشروطًا أن يكون المترشح حائزًا على شهادة في البكالوريا تخصص رياضيات-تقنية بينما كنت متحصلة على شهادة في البكالوريا تخصص رياضيات علوم، كما أنني فوجئت بأنّ تلاميذ المعاهد الفرنسية غير مدرجين ولا يشملهم الاختبار الذي يتم على مرحلتين ودورتين"، وفقها.
ورغم أنها سجلت في الجامعة في اختصاص الرياضيات والفيزياء إلا أنها رفضت رفضًا قاطعًا أن تلتحق بالجامعة، فإما أن تدرس الطيران أو أن تبقى في البيت، حسب ما روته علياء المنشاري لـ"الترا تونس".
"ولأني كنت مدللة والدتي، تقول محدثتنا، فقد سعت أمي بكل الطرق إلى أن تحقق حلمي بدخولي مدرسة الطيران كأول امرأة في تونس واتصلت بإحدى صديقاتها، فقد كانت زوجة أحد الوزراء آنذاك ونجحت في أن تحصل لنا على موعد مع رئيس الوزراء وقتها، محمد مزالي".
وتواصل علياء المنشاري حديثها ضاحكة: "كتبت إليه مطلبًا وكنت مندفعة بحماس الشباب وبالثقة اللامتناهية فكنت أسرد قائمة مطالبي، ليكون مطلبًا "فجًا" بلا مقدمات ولا مجاملات"، وفق توصيفها.
وتذكر المنشاري أنّ الوزير الأول استقبلها سنة 1976 ورحب بها، لكنه قال لها :"لا يمكن أن أخالف القانون الذي وضعته والمتعلق بمدرسة الطيران لكن طالما أنك أول فتاة ومارستِ لمدة سنتين الطيران بالطائرات الشراعية فقد نجد حلًّا"، مشيرة إلى أنه طلب منها أن توافيه بموافقة وزيرين آخرين.
خرجت المنشاري من مكتبه رفقة والدتها ولسان حالها يقول كيف لي أن أعثر على وزيرين آخرين ونحن فعلنا المستحيل للقاء الوزير الأول، لكنها لم تفقد الأمل وضغطت مرة أخرى على والدتها التي لم تقبل أن تجلس ابنتها في المنزل وترفض دخول الجامعة، وبعد محاولات استطاعتا مقابلة وزير النقل.
لأن القانون المنظم لاختيار الملتحقين بمدرسة الطيران كان يحتوي على ثغرات، فقد قرر وزير النقل أن يعرض ملف التحاق علياء المنشاري على مجلس الوزراء آنذاك للنظر في وضعيتها وهو ما حدث فعلًا وتم قبولها لاجتياز الاختبارات.
تعقّب علياء المنشاري قائلةً: "كان الامتحان صعبًا وكنت وقتها طفلة صغيرة ونحيلة جدًا، لكنّني صعدت الطائرة وقدتها واجتزت كل الامتحانات التطبيقية، على الرغم من أنّه تم التعامل معي بشدة وحزم أكثر من الجميع فلم يقتنع أحد أنّ امرأة قادرة على قيادة الطائرة".
أكملت علياء المنشاري دراستها وكانت من أوائل دفعتها وتحصلت على تكريم رئاسي ثم ذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأكملت تربّصها وتميزت، وتم انتدابها ضمن دفعتي في الخطوط الجوية التونسية.
الطائرة، فقد كان جميعهم من الذكور وتعلموا في مدارس للذكور فقط، وكان وجودي مرفوضًا تمامًا ولم يوافق أحد على أن أصعد الطائرة كمساعدة قائد الطائرة متربصة إلى أن قدم أحد الطيارين الشباب ووافق على أن أرافقه، ولن أنسى جميله وما قدمه لي من مساعدة ما حييت" تقول محدثتنا بتأثر كبير.
ولم تنتهِ اختبارات الشابة التونسية، ففي نهاية التربص امتحنها أكثر الطيارين تشدّدًا ورفضًا لوجودها، وقيل لها يومها: "إحذري منه فقد قال سترون ما سأفعله معها". تستطرد قائلةً: "لقد كانت الرحلة صعبة من تونس إلى جنيف، ثم من جنيف إلى زيوريخ، وبعد ذلك من زيوريخ نحو جنيف، لنعود من جنيف إلى تونس"، معقبةً: لقد كان يسأل وكنت أجيب بأعصاب باردة وبكل ثقة في النفس، إلى أن أقرّ بنجاحي في الاختبار".
ورغم ذلك، ظلت علياء المنشاري كلما رافقت قائد طائرة لا يعرفها يظل طيلة الرحلة يعاملها وكأنها تجري امتحانًا غير أنّها أصرّت بعزيمة قوية على أن تواصل مهنتها التي حلمت بها، وتزوجت وظلت تحلّق في السماء وهي حامل بطفلها الأول حتى الشهر السادس، على حدّ قولها.
علياء التي جابت العالم كانت محطّ إعجاب وانبهار في كل العواصم التي حطت فيها. تقول في هذا الصدد: "كنت محلّ إعجاب شديد أينما نزلت وكنت فخورة جدًّا بأن أقول إنني تونسية.. أذكر أنّني بينما أعبر الأتلنتيك في اتجاه الكيبيك كنت أشعر بأنّني أحمل كل تونس بين أضلعي، لم يكن فخرًا لي في شخصي بل كان فخرًا لبلدي"، حسب تقديرها.
الفيديو :